فصل: الخبر عن دولة حمود ومواليهم بسبتة وطنجة وتصاريف أحوالهم وأحوال غمارة من بعدهم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة حمود ومواليهم بسبتة وطنجة وتصاريف أحوالهم وأحوال غمارة من بعدهم.

كانت الأدارسة لما أجلاهم الحكم عن العدوة إلى المشرق ومحا آثارهم من سائر بلاد المغرب واستقامت غمارة على طاعة المروانية وأذعنوا لجند الأندلسيين ورجع الحسن بن كنون لطلب أمرهم فهلك على يد المنصور بن أبي عامر فانقرض أمرهم وافترقت الأدارسة في القبائل ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعوا شارة ذلك النسب واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة ولحق بالأندلس في جملة البرابرة من ولد عمر بن إدريس رجلان منهم وهم علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد ابن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس فطارلهما ذكر في الشجاعة والإقدام ولما كانت الفتنة البربرية بالأندلس بعد انقراض الدولة العامرية ونصب البرابرة سليمان ابن الحكم ولقبوه المستعين واختص به أبناء حمود هذان وأحسنوا العناء في ولايته حتى إذا استولى على ملكه بقرطبة وعقد للمغاربة الولايات عقد لعلي بن حمود هذا على طنجة وأعمال غمارة فنزلها وراجع عهده معهم فيها ثم انتق ودعا لنفسه وأجاز إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما ذكرناه فعقد على عمله بطنجة لابنه يحيى ثم أجاز يحيى إلى الأندلس بعد مهلك أبيه علي منازعا لعمه القاسم واستقل أخوه إدريس من بعده بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه بالعدوة من مواطن غمارة.
ثم أجاز بعد مهلك أخيه يحيى بمالقة فاستدعى رجال دولتهم وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على عملهم بسبتة وطنجة وأنفذ نجا الخادم معه ليكون تحت تظره واستبداده ولما هلك إدريس واعتزم ابن بقية على الاستبداد بمالقة أجاز نجا الخادم لحسن بن يحيى من طنجة فملك مالقة ورتب أمره في خلافته ورجع إلى سبتة وعقد لحسن على عملهم في مواطن غمارة حتى إذا هلك حسن أجاز نجا إلى الأندلس يروم الاستبداد واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصقلبية فلم يزل إلى نظرهم واحدا بعد آخر إلى أن استقل بسبتة وطنجة من موالي بني حمود هؤلاء الحاجب سكوت البرغواطي كان عبدا للشيخ حداد من مواليهم اشتراه من سبي برغواطه في بعض أيام جهادهم ثم صار إلى علي بن حمود فأخذ النجابة بطبعه إلى أن استقل بأمرهم واقتعد كرسي عملهم بطنجة وسبتة وأطاعته قبائل غمارة.
واتصلت أيام ولايته إلى أن كانت دولة المرابطين وتغلب ابن تاشفين على مغراوة بفاس ونجا فلهم إلى بلاد الدمنة من آخر بسيط المغرب مما يلي بلاد غمارة ونازلهم يوسف بن تاشفين سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ودعا الحاجب سكوت إلى مظاهرته عليهم فهم بالانحياش ومظاهرته على عدوه ثم ثناه عن ذلك ابنه القائل الرأي.
فلما فرغ يوسف بن تاشفين من أهل الدمنة وأوقع بهم وافتتح حصن علودان من حصون غمارة من ورائه وانقاد المغرب لحكمه صرف وجهه إلى سكوت فجهز إليه العساكر وعقد عليها للقائد صالح بن عمران من رجال لمتونة فتباشرت الرعايا بمقدمهم وانثالوا عليهم وبلغ الخبر إلى الحاجب سكوت فأقسم أن لا يسمع أحدا من رعيته هدير طبولهم ولحق هو بمدينة طنجة ثغر عمله وقد كان عليه من قبله ابنه ضياء الدولة المعز وبرز للقائهم فالتقى الجمعان بظاهر طنجة وانكشفت عساكر سكوت وطحنت رحى المرابطين وسالت نفسه على ظباهم ودخلوا طنجة واستولوا عليها ولحق ضياء الدولة بسبتة ولما تكالب الطاغية على بلاد الأندلس وبعث ابن عباد صريخه إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مستنجرا وعده في جهاد الطاغية والذب عن المسلمين وكاتبه أهل الأندلس كافة بالتحريض إلى الجهاد وبعث ابنه المعز سنة ست وسبعين وأربعمائة في عسكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها برا وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحرا واقتحموها عنوة وتقبض على ضياء الدولة واقتيد إلى المعز فطالبه بالمال لانحائه فأساء إيجابه فقتله لوقته وعثر على ذخائره وفيها خاتم يحيى بن علي بن حمود وكتب إلى أبيه بالفتح وانقرضت دولة بني حمود وانمحى آثارهم وسلطانهم من بني غمارة وأقاموا في طاعة لمتونة سائر أيامهم.
ولما نجم المهدي بالمغرب واستفحل أمر الموحدين بعد مهلكه تنقل خليفته عبد المؤمن في بلادهم في غزاته الكبرى ففتح المغرب سنة سبع وثلاثين وما بعدها قبل استيلائه على مراكش كما نذكره في أخبارهم واتبعوا أثره ونازلوا سبتة في عساكره وامتنعت عليهم وتولى كبر امتناعها قائدهم عياض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوته وعلمه ومنصبه ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة إحدى وأربعين فكانت لغمارة هؤلاء السابقة التي رعيت لهم سائر أيام الدولة.
ولما فشل أمر بني عبد المؤمن وذهبت ريحهم وكثر الثوار بالقاصية ثار فيهم ابن محمد الكتامي سنة خمس وعشرين كان أبوه من قصر كتامة منقبضا عن الناس وكان ينتحل الكيميا وتلقنه عنه ابنه محمد هذا وكان يلقب أبا الطواحن فارتحل إلى سبتة ونزل على بني سعيد وادعى صناعة الكيميا فاتبعه الغوغاء ثم ادعى النبوة وشرع شرائع وأظهر أنواعا من الشعوذة فكثر تابعه ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده وزحفت عساكر سبتة إليه ففر عنها وقتله بعض البرابرة غيلة.
ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وأمصاره سنة أربعين وستمائة واستولوا على كرسي الأمر بمراكش سنة ثمان وستين وستمائة فامتنع قبائل غمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم وأقاموا بمنجاة من الطاعة وعلى ثبج من الخلاف وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بني مرين بسبب امتناعهم وصار أمرها إلى الشورى واستبد بها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختهم كما سنذكر ذلك كله إلى أن وقع بين قبائل غمارة ورؤسائهم فتن وحروب ونزعت إحدى الطائفتين إلى طاعة السلطان بالمغرب من بني مرين فأتوها طواعية.
وأدخل الآخرون في الطاعة تلوهم طوعا أو كرها فملك بنو مرين أمرهم واستعملوا عليهم وتخطوا إلى سبتة من ورائهم فملكوا أمر العزفيين سنة سبع وعشرين وسبعمائة علىما نذكره بعد عند ذكر دولتهم وهم الآن على أحسن أحوالهم من الاعتزاز والكثرة يؤتون طاعتهم وجبايتهم عند استقلال الدولة ويمرضون فيها عند التياثها بفشل واشتغال بمحاربها فتجهز البعوث إليهم من الحضرة حتى يستقيموا على الطاعة ولهم بوعورة جبالهم عز ومنعة وجوار لمن لحق بهم من أعياص الملك ومستأمني الخوارج إلى هذا العهد ولبني يكم من بينهم الحظ الوافر من ذلك لإشراف جبلهم على سائرها وسموه بقلاعه إلى مجاري السحب دونها وتوعر مسالكه بهبوب الرياح فيها وهذا الجبل مطل على سبتة من غربيها ورئيسه منهم وصاحب أمره يوسف بن عمر وبنوه ولهم فيه عزة وثروة وقد اتخذوا به المصانع والغروس وفرض لهم السلطان بديوان سبتة العطاء وأقطعهم ببسيط طنجة الضياع استئلافا لهم وحسما لزبون سائر غمارة بإيناس طاعتهم ولله الخلق والأمر بيده ملكوت السموات والأرض.